افتتاحية

نائلة التازي
منتجة مهرجان كناوة وموسيقى العالم
إرث حي ّ، ورؤية نحو المستقبل
لأكثر من ربع قرن، لم يكن مهرجان كنواة وموسيقى العالم بالصويرة مجرد حدث موسيقي، بل أصبح مشروعًا مجتمعيًا وبيانًا ثقافيًا في حركة دائمة. فمن خلال الاحتفاء بالغنى الروحي لتقاليد كنواة واحتكاكها بموسيقى العالم، يفتح المهرجان حوارًا بين الإرث والتمثلات، بين الذاكرة والمستقبل. وتُعد هذه الدورة السادسة والعشرون استمرارًا لهذا الحلم الذي أصبح حقيقة: إشعاع ثقافة عريقة وابتكار لغات فنية جديدة.
هذا الإشعاع العالمي هو ثمرة التزام لا يتغير من سلسلة من الفاعلين والفنانين، والمنتجين، والباحثين، والشركاء والمؤسسات، يجمعهم إيمان مشترك: إدماج ثقافة كنواة في الحداثة دون التخلي عن روحها. فمنذ بداياته، تحرر المهرجان من الصور النمطية الفولكلورية ليُعيد إلى هذا التراث مكانته الحقيقية: إرث حي، ولغة كونية، ومصدر للإحساس والتفكير والتوارث.
واليوم، أكثر من أي وقت مضى، ومع تغير الحدود وإعادة تشكيل الهويات، يؤكد مهرجان كنواة على رسالته: جعل التمازج محرّكًا للإبداع، والذاكرة أداة للتحول، والثقافة فضاءً للالتزام. إذ تُترجم هذه الطموحات إلى أعمال ملموسة ومستدامة، في مقدمتهـا التكوين والبحث الأكاديمي.
وتتيح شراكتنا الاستراتيجية مع كلية بيركلي للموسيقى المرموقة لفنانين شباب مغاربة ودوليين الولوج إلى تعليم عالي الجودة والنهل من تجارب إنسانية وفنية فريدة. وفي هذه السنة، يأتي الفنانون المشاركون في البرنامج من 23 بلدًا مختلفًا، مما يعكس غنى وتنوع هذه المبادرة. وبنفس الروح، تم إنشاء كرسي «التقاطعات الثقافية والعولمة» بالشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، والذي يعتمد على تجربة مهرجان كنواة كمختبر للتهجين الثقافي، ليشكل خطوة حاسمة. ويجمع هذا الكرسي بين باحثين، وموسيقيين، وأنثروبولوجيين، ولغويين لاستكشاف الروحانيات المتقاطعة، والذاكرات الخفيّة، واللغات المجزأة التي تشكل هذه الثقافة المتعددة. إن هذا العمل في البحث والنقل المعرفي ضروري لفهم هذا التراث وحمايته وتعزيزه للأجيال القادمة.
مهرجان كنواة هو أيضًا ساحة حوار. إذ يكرّس منتدى حقوق الإنسان، في دورته الثانية عشرة، لموضوع محوري: «الحركية البشرية والديناميات الثقافية». ففي عالم يعاد تشكيله باستمرار، ويتسم بالهجرة والمنفى والتمازج، يتوجب علينا التفكير الجماعي في كيفية تغذية المسارات الإنسانية للإبداع وإعادة صياغة روابطنا الثقافية. يعد هذا المنتدى مختبرًا للأفكار، حيث ينصت الفنانون والمفكرون والمواطنون لبعضهم البعض ويتفاعلون.
وتستقبل هذه الدورة أكثر من 350 فنانًا، من بينهم 40 معلّم كنّاوي، سيجتمعون في مزج موسيقي جريء على المسارح الرئيسية لمدينة الصويرة. وعلى مدى ثلاثة أيام، ستلتقي الأصوات القادمة من أفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا والكاريبي في احتفال نابض بالتنوع والحوار.
مهرجان كنواة وموسيقى العالم هو دعوة للإيمان بقوة الثقافة في بناء جسور مستدامة بين الشعوب. إنه مغامرة جماعية، تقودها روح الشباب، وتغذيها عملية التوارث، وتشكلها الجرأة. لنتابع، معًا، إحياء هذا الإرث الحي، كوعْدٍ بالحرية، والإبداع، والمستقبل.