






افتتاحية نايلة التازي

فرحة اللقاء
خمسٌ وعشرونَ سنة مرت عن تنظيمِ أولِ دورةٍ لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة. وإذا كنا، إلى جانبِ عددٍ قليلٍ من الأصدقاء الذين بادروا إلى تأسيس هذا المشروع الحلم، لم نتخيل قط النجاح الكبير الذي سيلاقيه لاحقا، فإننا بالمقابل، كنا متيقنين بعمقه وجوهره وقدرته على الاستمرارية لفترة طويلة. وإن كنا كذلك، نكافح ونقاوم كل سنة أكثر فأكثر لضمان تمويله وللحفاظ على روحه المميزة، فلأن المهرجان بالأساس يعتبر أكثر من حدث ثقافي بسيط، بل هو مشروع متعدد الأبعاد ساهم بشكل كبير في الاعتراف بعنصر ثقافي لطالما واجه كل أصناف التهميش، وفي نهضة وانبعاث مدينة عانت إلى حد بعيد من النسيان والخذلان. مشروع عَمَلَ بِجِدٍّ ليجعل الثقافة متاحة للجميع، ولِتَغْدُوَ محورا أساسيا لتنميتنا.
كل سنة نعيد طرح نفس الأسئلة المؤرقة: كيف يمكننا مواصلة المسير وإلى أبعد نقطة ممكنة؟ وما العمل لنجعل من فن كناوة المتميز ثقافة حية تساير زمانها؟ ما الوسيلة لنضمن توهجا دائما لشعلة مهرجان عنوانه الدائم: المساواة والحرية والانفتاح على العالم. لقد فطنا كمنظمين، ومنذ البدايات الأولى إلى ضرورة أن تُفْضِيَ جهودَنَا إلى ترتيب ثقافة كناوة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية من طرف منظمة اليونيسكو، بادرة اعتبرها الكثيرون سَرابًا أو حلمًا طوباويا عَسِيرَ التحقيق. لكن بعد أكثر من عشرين سنة عن ولادة المهرجان، تحقق الحلم الذي لطالما انتظرناه بصبر وشوق، ليتم الإعلان عن هذا التتويج بقمة بوغوتا شهر دجنبر 2019. هذا الإنجاز الذي سيفتح لا محالة آفاقا جديدة للكناويين كما للمهرجان، تَلَقَّفَهُ الجميع بفخرٍ كبيرٍ سواء من طرف الفنانين الكناويين الذين عانوا ولسنوات من التهميش، أو من طرفنا كمنظمين كافحنا بجد وتفان من أجل بلوغ هذا المبتغى، أو من مجموع محبي هذا الفن الممتع.
يعود أخيرا المهرجان، هذه السنة، إلى صيغته وشكله الاعتياديين بعد غياب اضطراري بسبب الجائحة الصحية العالمية. هاته الجائحة التي قاومناها بعزم، مكنتنا من أن ندرك بعمق مدى ما حققناه من مكاسب عدة، وأن نستشرف مستقبل وآفاق هذا الحدث الثقافي الهام بأمل وطمأنينة.
نعود اليوم أكثر إصرارا وتصميما لمواصلة مشوار الإبداع والتجديد وإدهاش متتبعينا، لأننا بكل بساطة مقتنعين أن المهرجان الذي تَخَطَّتْ شهرته كل الآفاق، هو بالفعل مثال فريد لِتَلاحُمِ الثقافاتِ. فخلال أيام انعقاد الحدث، يجعلنا كناوة تحت سحر موسيقاهم وفنهم، نؤمن بعالم تَسُودُهُ قِيَمُ الأخوةِ وتَنْمَحِي فيه كل الحدود الثقافية، بل يجعلوننا نهتز مُنْتَشِينَ إلى حد التَّمَاهِي والانْصِهَارِ مع جمال مدينة موغادور الأَخَّاذِ.
ستكون الدورة الرابعة والعشرون إذن، استثنائية على أكثر من صعيد: فرحة تَجَدُّدِ اللقاءِ مع جمهور رائع من أجيال مختلفة، ثم العودة إلى الحُضْنِ والمَنْشَأ الطبيعي للمهرجان بالصويرة بعد جولةٍ زارَ من خلالها السنة الماضية عدة مدن بالمملكة، وأخيرا الاحتفاء بالفن الكناوي في سياقٍ ومحيطٍ جديدين وبرمجة موسيقية فريدة ينشطها موسيقيون موهوبون من مختلف بقاع العالم. الدورة ستعرف أيضا انعقاد اللقاء العاشر لمنتدى حقوق الإنسان والذي سيتداول هذه السنة بالدراسة والتحليل موضوعا رَاهِنِيًا يتعلق بالانتماء الهَوِياتي.
نَعِدُكُم إذن، بعرس استثنائي ومتواصل عبر تنظيم أكثر من أربعين حفلا موسيقيا موزعا على مختلف أرجاء مدينة الصويرة، حفلات تسودها روح التلاحم والفرح والتقاسم التي وَسَمَتْ وميزت على الدوام هذا الحدث المغربي الأَصْل والمنشأ والإفريقي الجذور والروافد.
سعداء بتجديد اللقاء بكم
نايلة التازي
منتجة مهرجان كناوة وموسيقى العالم
الشركاء

منتج ومنظم المهرجان
